Skip to main content

أصلُ الحكاية الفلسطينية بين النكبة والمقاومة والدّعم

الكاتبة: سُكينة عبد الباسط الغرياني

متأسفاً.. متألماً.. متأملاً؛ وبابتسامةٍ مكسورةٍ خاطبَ خالد نبهان حفيدَتَه ريم، الّتي وُلدت يومَ ميلاده، وكأنها تُشير إليه بتجدد حَياته مَعها وبإسعادها وبتجربةٍ نوعٍ جديد من الحب الّذي يأتي تباعاً لسنّة الحياة الطبِيعية وتسلسلها،

رحلت رِيم مُهجة قلب جدها من هذه الدّنيا، ورحل من قبلها يُوسف ” الأبيضاني، الحِلو، والشعرو كيرلي ” ليُثبتوا أن أهل هذه الأرض لا يعيشونَ تسلسل الحياة المُتعارف عليه، فكَم من ريمٍ ويوسفٍ رحلوا وأوجعوا مَن خلفهم مُنذ أكثر من 70 عاماً على أرض فلسطين المُحتلة.

أصلُ الحكاية.

بدأت حكاية سرقة أرض فلسطين بتمهيداتٍ لأفكارٍ وآراءٍ تهدف إلى توفيرِ وطنٍ لليهود المُشتتين، والذين لطالما شَعروا أنهم أقليّة تتعرضُ للاضطهادِ والتقليل من شأنهم في مُختلف المجتمعاتِ التي يعيشونَ ضمنها، وكان أول الوعود من نابليون بونبارت عام 1799 حينما عبّر عن ضرورة توفيرِ وطنٍ ورقعة واحدةٍ تجمع اليهود من مختلف أنحاء العالم. أخذت إرهاصات الاستيطان على أرض فلسطين بالظهور فعلياً عند قيام موساس مونتيفور بشراء قطعة أرض عليها عام 1855، ولكن بالرغم من ذلك، ظلّت الأمور على حالها.

وبعد 120 عامٍ من السّعي البطيء من بعد وعد نابيليون وظهور الحركة الصهيونية والتصريح عنها رسمياً؛ ظهرت آثار الجهود في وعد بلفور الذي عُقد عام 1917، والذي نصّ على إعطاء جزء من أراضي فلسطين للصهاينة، ومن هذه النقطة فعلياً صار هذا التاريخ بداية رحلة الكِفاح لتحرير الأرض لأهل فلسطين. ومنذ الإقرار على ما صدر بوعد بلفور بدأت الهجرة الفعلية نحو فلسطين حتّى عام 1946 ، وبالرغم من طول تلك المدّة، إلا أن اليهود الصهاينة شكّلوا حينها 5% من سُكان فلسطين، إلى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عام 1948، تقرر من بعدها تقسيم أراضي فلسطين بين شعبها الأصلي والصهاينة، فكان نصيبُ الفلسطينيين من أرضهم 43.5%، بينما أُعطي للصهاينة 56.5% من الأرض، مما أباح لهم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني، وتدمير أكثر من 530 قرية، بشكلٍ وحشيٍ بعيدٍ عن الإنسانية.

ومن أبشع ما حصل في تاريخ تلك الفترة الإبادة البشعة التي وقعت بقرية الطنطورة جنوب حيفا، والتي يسردها ويجمّلها التاريخ الأسرائيلي بكونها معركة بين جيشٍ عربي وإسرائيلي كان فيها الفوز لهم بجدارة، بينما هي مجزرةُ لن تُنسى تفاصيلها، وكيف اعتدى فيها الصهاينة على أصحاب تلك القرية ومسحوا معالمها بأقذر الأساليب.

تاريخ المقاومة.

منذ حدوث النكبة، استمرّ اضطهادُ أصحاب الأرض مِن قبل الصهاينة، سُلبت حُريتهم، وضُيّق عليهم، وصاروا كمَن ليس له حقُّ في حقّه، فبلغَ الأمر من أهل فلسطين حتّى فاض صمتهم صراخاً وتظاهراً بالحجارة فيما يسمّى بالانتفاضة الأولى عام 1987، والتي استمرت إلى أن انتهت عام 1993 من بعد اتفاقية أوسلو التي ضيّقت على الفلسطينيين وأشعرتهم بخسارة جديدة ضمن هذه المعركة الطويلة، فأدى حالهم إلى حدوث انتفاضة أخرى وهي الانتفاضة الثّانية عام 2000 والتي كانت فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة، وبدأت منذ حدوثها انتهاكات الاحتلال في ازدياد، حتى بلغت ذروتها عام 2008 في اعتدائها على قطاع غزّة وقتلها لأكثر من 1400 شهيد، بالإضافة إلى الحرب على نفس القطاع عام 2014 والتي راح ضحيتها أكثر من 2000 شهيد.

وكم من ذُلٍ ومهانةٍ ووجعٍ وألمٍ قد عيشَت بين هذه التواريخِ والأحداث، أشعلت روح المقاومة واسترداد الحَق مهما طال الزّمن، شاءَ العالم أن يُعين أم لم يشأ.

دور المنظمات الدولية في قصّة فلسطين.

منذ نهاية التسعينيّات، بدأت المنظمات الدولية غير الحكومية بإبداءِ دورٍ فعّال في دعم القضية الفلسطينية وإدانة ما تقوم به دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني وأرضِه، كمنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، والتي كان لهما صوتٌ واضح عند عَقد منتدى ديربان للمنظمات الدولية غير الحكومية، والذي نصّ على مكافحة العنصرية والتمييز
العنصري والكراهية وما يتصل بذلك من تعصب على الصعيد العالمي، وقد دعت المادة 425 من مواد الملتقى إلى ” سياسة العزل التام والكامل لإسرائيل كدولة فصل عنصري ” ممّا أدى مستقبلاً إلى قيام المؤسسات الدولية غير الحكومية إلى رفع أكثر من 12 قضية على مسؤولين اسرائيليين وفقاً لانتهاكات دولة الاحتلال للقانون الدولي وممارسة العديد من جرائم الحرب، وقد تمّت العديد من المحاولات لفتح ملفات تلك الجرتئم والانتهاكات أمام المحاكم الدولية، لكنّ جميع الجهود تلاشت بلا فائدةٍ لعدم إدراج فلسطين ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لمكتب المدعي العام.

ولكن تظلّ جهود هذه المنظمات على أرض فلسطين المحتلة مستمرّة على مرّ السنين بأشكالٍ مختلفة، فمنظمة الأنروا ” وكالة الغوث ” تتواجد في فلسطين بسعيٍ واضحٍ في تقديم المساعدة الإنسانية وحماية اللاجئين من خلال تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية الأولية، وتوفير الغذاء، مما يرفع من تحسين مستوى حياة الأفراد رغماً عن صعوبة ما يعيشونه من تهجيرٍ وحروبٍ مستمرة.

كيف تُساعد أنت أينما كُنت.

دعمٌ دوليٌ وآخر فردي كان أو لازال، على كُلٍ؛ يمرُّ في هذا العامِ اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضِمن أحداثٍ محتدمةٍ في قطاع غزّة بأراضي فلسطين المُحتلة، وكأنه يومٌ أتى في وضعٍ صعبٍ كهذا لنتذكر المقاومة المستمرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني العَظيم، لنتذكّر ما يقع على عاتقنا مِن مسؤولية في دعم القضية والبحث عن وسائل تعزز السردية الحَق، وإيجاد أساليبَ إضعاف العدوّ المحتل، والتي يمكن أن تُبتدأَ بالصدحِ بالحق في مواقع التواصل الاجتماعي، ومقاطعة الشركات الدّاعمة للاحتلال، والأشخاص الداعمين للإبادة العرقية، وأن تقاومَ فكرة النّسيان، أن تحفظَ أحداث اليوم، وتراجع ماصار بالأمس، لنُقاوم بصدقٍ إلى أن تنتهي مشاهد توديع الشّهداء وصورُ الدمار، وإلى أن يصبح كُل جدٍ سعيد بأحفاده، وكلّ أم بأولادها، كتسلسل طبيعي للحياة.