Skip to main content

الإنتخابات والمناظرات.. عصر جديد للديمقراطية المحلية؟

كتابة: محمد كنديـــر

بعد الدورة الأولى لانتخابات المجالس البلدية في عاميّ 2013 و2014، بدأت في شهر مارس من العام 2019 عملية إعادة انتخاب مجالس البلديات، لتكون أول انتخاباتٍ تقام في البلد منذ حوالي 5 سنواتٍ تقريبًا، ومع أن اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية قد تأخرت في تنفيذ الخطة التي وضعتها سلفًا بسبب تفشي الجائحة العالمية وبسبب اندلاع الحرب في أبريل 2019، إلا أنها قد عادت في شهر أغسطس 2020 عبر إجراء انتخابات المجلس البلدي مصراتة لتشهد الانتخابات في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ ليبيا، تنظيم مناظراتٍ تلفزيونية بين الممثلين عن القوائم المترشحة لانتخابات البلدية، حيث استعرض المترشحون خلال المناظرات أنفسهم وأفكارهم وبرامجهم الانتخابية وكذلك خططهم التي سيعملون عليها في حال فوزهم بالإنتخابات.

المناظرات للمقبلين على المشاركة في عملية الاقتراع القدرة على فهم المترشحين وسياساتهم وكذلك أوضحت  للناخبين التباين بينهم والإختلافات بصورة لا تتيحها البرامج الدعائية التقليدية.

 

ولم تتوقف تجربة المناظرات المتلفزة بين المرشحين لانتخابات البلدية على مدينة مصراتة فحسب، فقد لعبت مؤسسات المجتمع المدني في مدن عديدة منها العاصمة طرابلس دورًا بارزًا أيضًا في إقامة المناظرات بين المرشحين لانتخابات بلديات مختلفة.

حيث دعت مؤسسات المجتمع المدني المختصة بالمناظرة الممثِلين عن القوائم المترشحة لانتخابات بلديات عديدة كبلدية زليطن والرجبان وحي الأندلس وتاجوراء وطرابلس المركز وغيرها من البلديات، لتتوالى المناظرات في مشهد حضاري وديمقراطي غير مسبوق محليًا.

فالمناظرات التي أقيمت على الهواء مباشرة والتي نُقلت من قبل تلفزيونات عمومية وأخرى غير حكومية، تم تقسيمها حسب المحاور، كما خصّص لكل مترشح فيها وقتٌ محدد للإجابة عن الأسئلة كمراعاة للمساواة الزمنية، وقد لاقت المناظرة تفاعلاً إيجابيًا من الناخبين بعد أن تم عرضها مباشرة على وسائل التواصل الإجتماعي والتلفزيون.

ومع العوائق المختلفة التي تعيق البرنامج الانتخابي الذي أعدّته اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية، كالوضع الأمني في ظلّ انتشار السلاح وتفشي جائحة كورونا الأمر الذي قلّل نسبة المشاركين في عملية الاقتراع، لكن الزخم الذي أحدثته تجربة المناظرات في الأوساط العامة كان مميزًا كونه غير مسبوق وجديد كليًا على التجربة الديمقراطية المحلية.

ورغم عدم توفر نتائج حتى الساعة لأي استطلاعات محلية للرأي توضح مدى تأثير المناظرات على الناخبين داخل البلديات، لكن تجربة المناظرات المتلفزة بين المترشحين أثبتت حول العالم أنها تساعد على خلق المزيد من الناخبين المطّلعين، كما تجبر المترشحين على احترام مدارك ومعارف الناخب، وأيضًا تساعد على تكريس قيم الشفافية والنّزاهة، كما أنّ إقامتها باستمرار يذكّر بأهمية إرساء قواعد التحاور الحديثة، حيث تعدّ تقليدًا عريقًا في البلدان التي تتجذّر فيها الديمقراطية، كالولايات المتحدة التي تقام فيها المناظرات الرئاسية المتلفزة منذ أكثر من 70 سنة.

ولم يكن تنظيم المناظرات حكرًا للمرشحين من الفئات العامة على ممثلي القوائم فقط، حيث نُظّمت المناظرات أيضًا للفئات الخاصة كالمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما اعتبره كثيرون بارقة أمل حقيقية ووسيلة جذب لجماهير أكثر تنوعًا للمشاركة في العملية الانتخابية، خاصة بعد سنوات مظلمة لم يلجأ الليبيون فيها لأي نوع من صناديق الاقتراع بسبب الفوضى وحالة الإنقسام السياسي والنزاعات المسلّحة.

وتعتبر انتخابات المجالس البلدية التي لازالت تجرى تباعًا، بمثابة الاختبار الوطني قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المأمول إقامتها نهاية هذا العام، ورغم كونها لا تمثل العملية السياسية لكن يعدّ نجاحها مؤشرًا إيجابيًا حقيقيًا في ظل حداثة الممارسة الديمقراطية بشكل عام، كما ينتظر أن تنعكس موجة المناظرات بين المرشحين على الانتخابات الرئاسية، لتكون جزءاً رئيسياً من الحملات الانتخابية في أضخم استحقاق ديمقراطي وطني.