Skip to main content

الإرث الليبي المنهوب

كتابة: فريق ممكن

لعلّ أشهر ما تعرف به ليبيا هو تاريخها البالغ في القدم والمتصل بأعظم الحضارات التاريخية على مر الزمن، وما خلفه من موروث أثري.

عاش بنو البشر على الأراضي المعروفة بليبيا منذ أكثر من 140 ألف عام، في صحراءها الشاسعة التي كانت يومها سهولا غنية ونابضة بالحياة البرية والنباتية، والتي خلّفت وراءها شواهد من الفن الحجري والحفريات الأثرية التي تعود لعصور ما قبل التاريخ، وسواحلها العريضة المطلة علي المتوسط الذي عاشت حوله أعظم الشعوب و الحضارات، اذ بنيت المدن وخلقت الاساطير على هذه الأراضي البهيّة، فمنذ مطلع التاريخ وحتى نشأت الحضارة، كان لليبيا نصيب الأسد من الموروث الثقافي العالمي، اذ حكمت مصر الفرعونية أسر ليبية الأصل لما يقارب القرنين، ومدن البنتابوليس الخمس الاغريقية مسقط رأس الأساطير الاغريقية ومنجم للأهم أثارها، والمدن الرومانية اذ تمتلك ليبيا أكبر بقايا مدن رومانية (لبدة) خارج ايطاليا، بالإضافة لحضارات الصحراء في أكاكوس والعوينات والمدن التجارية العريقة كغدامس وجرمة وغيرها.

لذا من الطبيعي أن سحر تاريخها وغموضه أثار اهتمام مئات الباحثين والمهتمين بالآثار وتنقيبها من بعثات بحثية وتنقيبيه وعلماء الأنثروبولوجي ومختصي الدراسات التاريخية، ولسوء الحظ فقد تبعهم مهربو الآثار، الذين امتهنوا التنقيب غير المصرح والمتاجرة بالقطع الأُثرية المسروقة الأمر الذي انتهك تاريخ ليبيا وكنوزها الثمينة.

 

وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإتجار غير الشرعي بالممتلكات الثقافية الموافق 14 من نوفمبر، قرر فريق ممكن الابداعي تسليط الضوء على وضع الآثار والممتلكات الثقافية في ليبيا، التي بدورها شهدت اهمالا شديدا نظرا للانفلات الأمني الناتج عن غياب السلطة وضعف الأجهزة الأمنية المختصة بحماية الآثار، وعدم قدرة الجهات المعنية على اتخاذ أي إجراءات ملموسة بسبب ضعف نفوذها وموارد هذه الجهات وعدم قدرتها على تأدية أي من مهامها المكلفة كالحماية والتنقيب المصرّح وتوثيق وتسجيل القطع الأثرية المكتشفة.

ونتاجا لما تعانيه الآثار الليبية، أعلنت اليونسكو سنة 2016 عن تسجيل خمس مدن أثرية ليبية في قائمة التراث المهدد بالخطر، بسبب الترميم السيء أو عمليات النهب والسرقة والتنقيب غير المشروع، أولها مدينة غدامس المعروفة بـ (لؤلؤة الصحراء) ومدينة شحات (قورينيا) الأثرية التي تعاني من النهب والتعدي المتواصل على أراضيها الأثرية بسبب الزحف العمراني والبناء العشوائي، ومدينة لبدة الكبرى ومدينة صبراتة ومنطقة جبال أكاكوس المعروفة بجداريات الفن الصخري وقطع أثرية بدائية تعود لعصور ما قبل التاريخ.

لكن بعد الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، أقر الاعلان الدستوري مسؤولية وملكية المملكة الليبية -في ذلك الوقت- على الثقافي بشكل عام، وتم تفصبل هذه المسؤوليات بشكل اكبر عند اقرار القانون رقم (2) في سنة 1983، بأن المواقع الأثرية والتاريخية ملك عام للدولة الليبية بصفتها مالكة لكل عناصر وموارد التراث الثقافي الذي يزيد عمره عن 100 عام من أجل حماية التراث الثقافي الليبي، وتتحمل الدولة مسؤولية منع وحظر الاتجار غير المشروع بالآثار الليبية وفرض عقوبات على من يخالف أحكام هذه القوانين أو يرتكب أي جرم بحقها.

لكن وكما ذكرنا سابقا، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية المختصة وانعدام سلطة القوانين التشريعية، تطبيق هذه القوانين ليس أمرا واردا حاليا، حيث أن المتاجرة غير الشرعية بالآثار أصبحت ممارسة منتشرة ومهنة رسمية للعديد من تجار السوق السوداء الليبية، وبحسب دراسة تم إجراؤها مؤخرًا حول الأسباب والدوافع التي جعلت استهداف الممتلكات الثقافية أكثر انتشارا، رجحت لـ:

انهيار الاقتصاد الليبي بسبب انقطاع اصدارات النفط في فترات متقطعة على مدى السنوات الماضية، مما جعل السرقة والنهب والاتجار مغرياً للعاطلين عن العمل او من خسر عمله بسبب الأحوال المادية الضيقة التي عانا منها المجتمع بشكل عام، نظرا لفقر المناهج التعليمية السابقة وتهميشها لجزء كبير من التاريخ الليبي، عاش الشعب الليبي من دون أن يعرف أي شيء عن تاريخه وتراثه الغني، مما أباح حرمة الأثار والممتلكات الثقافية بشكل عام لدى الكثيرين لأنها ليست سوى قطع حجرية بلا معنى، اذ انتشرت هذه التجارة حتى امتدت لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبدأت سوق البيع و الشراء بالظهور للعلن من خلال حسابات ومجموعات مخصصة لمتاجرة بالقطع الأثرية.

اختلفت أساليب المهربين على مر السنين بين المنقبين الغير شرعيين أو سارقي المتاحف والمخازن الأثرية ثم تهريبها عبر قنوات خاصة عبر الحدود الليبية-المصرية أو الليبية-التونسية، يستهدف المهربون عادة القطع الأثرية صغيرة الحجم التي يسهل نقلها وتهريبها كالتماثيل الجنائزية النصفية أو رؤوسها المقطوعة أوالعملات النقدية، إذ يصعب تتبعها أو المطالبة بإعادتها، بسبب عدم تسجيلها مسبقا في بعض الأحيان مما يصعب عملية التبليغ عن فقدانها لدى الشرطة الدولي، إذ تعرضت مصلحة الآثار والمنشآت التابعة لها لسرقات متكررة لتماثيل وقطع خزفية أثرية عديدة، لتظهر بعدها من جديد في متاحف أوروبية وعالمية، حيث أعلن عن العديد من سرقات عديدة لمتاحف ليبية، منها متحف سوسة ومتحف طلميثة ومتحف بني وليد حتى متحف السرايا الحمراء لم يسلم من الانتهاك.

نأمل في هذا اليوم لفت النظر على مدى خطورة وحساسية الوضع العام للآثار الليبية والموروث الثقافي الليبي بشكل عام، اذ ان الجهود الحالية لمتابعة وحفظ الموروث الليبي لا تكاد تذكر وتحتاج للكثير من العمل والتطوير من اجل الوصول لنتائج المرجوة والحفاظ على الموروث الثقافي الليبي وحمايته.